بوابة الوادى التعليمية
لو كنت مش مسجل فى المنتدى فنحن نرحب بك وندعوك للتسجيل فى المنتدى عن طريق الضغط على كلمة التسجيل
اما لو كنت مسجل فى المنتدى فتفضل بالدخول عن طريق الضغط على كلمة دخول
بوابة الوادى التعليمية
لو كنت مش مسجل فى المنتدى فنحن نرحب بك وندعوك للتسجيل فى المنتدى عن طريق الضغط على كلمة التسجيل
اما لو كنت مسجل فى المنتدى فتفضل بالدخول عن طريق الضغط على كلمة دخول
بوابة الوادى التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 العميل السري - أجاثا كريستي 2

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
Salma
نجم النجوم
نجم النجوم
Salma


انثى عدد المساهمات : 2158
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 31/05/2011

العميل السري - أجاثا كريستي 2 Empty
مُساهمةموضوع: العميل السري - أجاثا كريستي 2   العميل السري - أجاثا كريستي 2 Icon_minitimeالخميس يونيو 23, 2011 10:24 pm

:: الفصل الخامس ::



ظهر أن الكوماندوز هايدوك مضيف من الطراز الاول .. فقد قابل المستر ميدوز
والماجور بلتشلي بحماسة وصمم أن يطوف بالأول كل أرجاء منزله الصغير المسمى
استراحة المهربين ولم تكن هذه الاستراحة في أول أمرها سوى كوخين من أكواخ
حراس الشواطئ يقعان على قمة تشرف على الشاطئ اشتراهما أحد رجال الأعمال
وربط بينهما وحاول أن يزرع حديقة في الأرض المحيطة بأحدهما اذ أن الجهة
الأخرى كانت هوة لا يخاطر بالاقتراب منها الا المخاطرون من الشباب ..

وكان رجل الاعمال هذا لا يزور تلك الناحية الا في شهر الصيف ثم يتركها فتبقى بلا ساكن عدة سنوات وكانت تؤجر في شهور الصيف فقط ..
وقال هايدوك يكمل قصة منزله:
- ثم اشتراها رجل يدعى هاهن وكان ألمانيا وإذا سألتني عن صناعته فلن أجد لها وصفا سوى أنه كان جاسوسا لا أقل ولا أكثر ..
- جاسوس .. انها لقصة مثيرة..
- نعم .. وهم قوم بعيدو النظر.. خذ مثلا موقع هذا المكان .. انه أحسن مكان
مناسب لإرسال الاشارات عبر البحر .. ولديك مرفأ تستطيع أن تخفي فيه قاربك
البخاري.. لو أردت .. وقد صرف هاهن على المكان كله مبالغ طائلة.. فقد أنشأ
سلما حجريا ضخما يصل المكان بالشاطئ.. والغريب في الأمر أن جميع الانشاءات
التي أجراها والتحسينات التي تمت في البناية نفسها لم يقم بها أي مواطن..
فقد كان جميع العمال من الأجانب..
! أمر غريب ولا شك..
- وكنت أقيم في هذه المنطقة حينذاك وقد أثار اهتمامي ما كان يفعله الرجل
فكنت أخر من منزلي وآتي الى هنا أرقب العمال الالمان.. ولما تحققت من غرابة
الاعمال التي يقومون بها اتصلت برجال البوليس وأوضحت لهم شكوكي ولكنهم لم
يعيروا قولي أي التفات.. فان الحرب مع ألمانيا كانت أمرا بعيدا عن تصورهم
.. وقد اعتبروني حينئذ من الرجعيين أو مجنوني الحرب.. ولكنني كنت أعلم..
أعلم أن أصدقاءنا الألمان قوم شديدو الصبر. يعدون العدة لأي أمر من الامور
في تؤدة وعلى مهل .. ولم تعجبني اطلاقا أحوال ذلك الرجل هاهن فأخذت أتحدث
عن شكوكي لكل معارفي .. وأخيرا تركت أحاديثي بعض الأثر، وتعرفت الى أحد
رجال البوليس وأقنعته بشكوكي فلم يجد غضاضة في مراقبة هاهن ويظهر أن هذا
أحس بالمراقبة، فاختفى نهائيا، فصدر الأمر لرجال البوليس بتفتيش المكان
فوجدوا لاسلكيا، أخفي بمهارة في حائط حجرة الطعام .. كما وجدوا أوراقا ذات
أهمية عظمى وخزانا ضخما للبترول تحت الجراج.. وغير ذلك.. وفي النهاية عرض
المنزل للبيع، فاشتريته.. واني أود أن ترى ما فيه .. هيا يا ميدوز..
- أشكرك .. اني أود أن أراه..

وقام الرجلان وقد أظهر هايدوك حماسة الطفولة وهو يري ضيفه مكان جهاز
اللاسلكي المدفون في حائط حجرة الطعام .. وكذلك مخزن البنزين تحت الجراج ثم
الحمامين الجميلين و أدواتهما الغريبة ووسائل الانارة المختلفة.. وبعد ذلك
رأى الطريق الحجري المدرج الموصل إلى شاطئ البحر.. وعاد هايدوك يحدث ضيفه
من جديد عن قيمة المكان كله من الوجهة الحربية .. ولم يدر الماجور بلتشلي
مع الرجلين دورتهما هذه، ولكنه مكث حيث كان في الشرفة، يجرع كئوس الشراب
وقد أدرك تومي أن الماجور لم يترك واحدا من أصدقائه دوم أن يحدثه عن
الجاسوس الذي اكتشفه.. وبعد فترة قام بلتشلي وصحب تومي الى سان سوسي ..
وقال الماجور وهما في الطريق :
- ان هايدوك هذا رجل طيب .. ومع ذلك فانه لا يترك الامور تمر ببساطة، فقد سمعنا منه قصة الجاسوسية هذه مئات المرات.

ثم راح بلتشلي نفسه يقص على تومي احدى مخاطراته الخاصة ولم يكن تومي على
استعداد لتتبع تفاصيل هذه القصة اذ كان قد سرح بأفكاره الخاصة ..

وكان تومي قد آمن حينئذ أن المرحوم فاركوهار الذي حل هو محله.. كان يسير في
الطريق الصحيح عندما ذكر سان سوسي قبل وفاته.. كما تأكد بعد ان رأى ما رآه
في استراحة المهربين وتلك الاستعدادات التي أعدها هاهن الاماني ان تلك
المنطقة من المناطق التي يهتم بها العدو منذ عهد بعيد.. وان نشاط هاهن لم
يكتشف الا بطريق الصدفة ونتيجة لمجهودات الكوماندوز المتواصلة..
وتذكر تومي قصة مسز برينا ان زوجها كما تقول اشترى سان سوسي منذ اربعه
اعوام تقريبا.. فهل هذه هي الحلقة الثانية؟ ان كل شيء جائز ومحتمل.. و فكر
في ذلك السكون والهدوء السطحي الذي يمتاز به سان سوسي.. انه سكون ظاهري
يخفي وراءه كثيرا، وميز برينا في نظره هي البؤرة التي تتجمع فيها كل
الاشاعات فيجب مراقبتها.. و اذا كانت مسز برينا هي السيدة التي يرمز اليها
بالحرف ( م ) فإنها تكون زعيمة أعمال الجاسوسية والطابور الخامس في هذا
البلد.. ولابد أن شخصيتها ليست معروفة الا لرؤسائها .. ولكن .. لا بد أنها
تتصل بالطبقة التي تليها في الاهمية وعلى تومي و توبنس ان يكتشفا هذه
الطبقة.. ثم ان الانتفاع باستراحة المهربين ليس بالأمر المستحيل .. ففي
الوقت المناسب يستطيع اسياد سان سوسي ان يجعلوه تحت تصرفهم.. لكن اللحظة
المناسبة لم تأت..

كتبت توبنس خطابا لابنتها ديبورا وآخر لديريك ولدها وخرجت بنفسها لتودعهما
صندوق البريد وفي عودتها مرت بقمة التل المجاورة لسان سوسي فاسترعى
انتباهها شبحان وقفا يتبادلان الحديث فتسمرت توبنس في مكانها لما تبينت أن
هذين الشبحين هو المرأة الغريبة التي رأتها بالأمس.. وأن الشبح الآخر هو
كارل فون دينيم..
وضايق توبنس عدم وجود مكان تستطيع الاختفاء فيه، كما لم يكن في استطاعتها
الاقتراب منهما لتسمع ما يدور بينهما من حديث دون ان يرياها.. وفوق ذلك فقد
أدار الشاب الاماني رأسه في تلك اللحظة ورآها.. فهمس بكلمات قلائل للمرأة
الغريبة فافترقا.. وانحدرت المرأة مع التل بسرعة عابرة الطريق الرئيسي مارة
بتوبنس التي كانت في الناحية الاخرى..
أما كارل فون دينيم فقد انتظر حيث كان الى ان وصلت توبنس فألقى إليها التحية بلهجة تنم عن الاسى,, فقالت توبنس على الفور:
- ما أشد غرابة مظهر هذه السيدة التي كنت تتحدث اليها يا مستر دينيم..
- نعم انها من اواسط اوروبا . انها بولندية ..
- أحقا.. أهي صديقة لك ؟
- أبدا .. فأنا لم أرها قبل هذه اللحظة..
- لقد ظننت ..
- كانت تسألني عن الطريق .. وكان حديثنا بالألمانية.. لأنها لا تكاد تفهم الانجليزية ..
- كانت تسألك عن الطريق؟
- وسألتني ما اذا كنت أعرف مسز جودليب فأجبتها بالنفي .. فقالت انها ربما أخطأت العنوان..

ورمقت توبنس كارل وهو يسير إلى جوارها .. وفكرت في هذه المرأة.. التي تسأل
ساعة عن مستر روزنستاين .. وساعة أخرى عن مسز جودليب .. وأحست بشكوك لا
نهاية لها.. وخيل اليها أن الحديث بين كارل وتلك المرأة لا بد قد استغرق
وقتا طويلا.. واستعادت ذاكرتها حديث كارل وشيلا.. لما قالت له " يجب أن
تكون على حذر " .. وشارت توبنس الى غرفة نومها وهي تفكر في كارل وشيلا ومسز
برينا صاحبة الفيلا..

وقبل أن تذهب الى فراشها، اتجهت الى مكتبها الصغير وفتحت أحد الأدراج وكان
به صندوق صغير.. فلبست قفازها وفتحت الصندوق.. ان به مجموعة من الخطابات
وفوقها جميعا ذلك الخطاب الذي تسلمته في الصباح من ابنها المزعوم "رايموند "
ففتحته توبنس باحتياط ثم ضمت شفتيها قطبت وجهها.. ان الرمش الصغير الذي
كان بين طيات الخطاب قد اختفى فذهبت بالخطاب الى منضدة الزينة واستعانت
بأحد المساحيق الغامقة التي تستعملها في تظليل جفونها فرشته على الخطاب ثم
نفضته.. فلم يظهر أي أثر لبصمات الأصابع.. فهزت توبنس رأسها في تأكيد ..
كان لابد من وجود بصمات.. بصمات توبنس نفسها على الأقل .. وقالت لنفسها..
يجوز أن يقرأ أحد الخدم خطاباتها بدافع حب الاستطلاع مثلا.. ولو أن ذلك
مستبعد.. ولكن الخادم لا يفكر مطلقا في ازالة آثار بصمات الاصابع .. هل هي
مسز برينا ؟ أم شيلا ؟ أم شخص آخر؟ انه على كل خال شخص يهم بحركات القوات
البريطانية..
وبدأت تفكر في الاحتمالات المختلفة.. وفي وجوب اجراء تجربة لمعرفة الشخص أو الاشخاص الذي يهتمون بحركات هذه القوات..
وقضت توبنس الصباح التالي في فراشها.. حتى دخلت بتي إليها.. وكانت توبنس
تحب الطفلة وصعدت الطفلة على الفراش الى جوار توبنس وألقت إليها بكتاب من
كتب الأطفال عنوانه أحلام ساندريلا وأخذت توبنس تمازح الطفلة وتداعبها
وتروي لها بعض طرائف الكتاب ..
وفجأة اندفعت مسز سبروت الى الحجرة وهي تقول:
- هاهي العزيزة بحثت عنك في كل مكان أيتها الشيطانة الصغيرة .. كم أنا آسفة يا مسز بلنكنسوب ..
كانت بتي قد حلت أربطة الحذاء وبللتها جميعا في كوب اللبن وأخذت تعبث بها
وجلست توبنس في فراشها تضحك ثم قالت تقاطع مسز سبروت التي انهالت
اهتذاراتها:
- لا داعي لكل هذا يا مسز سبروت فالأربطة يمكن تجفيفها وأنا التي اخطأت اذ لم ألاحظ ما تفعل..
- اذا سمحت.. سآتي لك بأربطة أخرى ..
- لا لا .. أشكرك .. فلدي غيرها.. كما أن هذه ستجف بلا شك ..
وسحبت مسز سبروت الطفلة من يدها .. وقامت توبنس من الفراش لتنفذ ما عزمت عليه ..



:: الفصل السادس ::



نظر تومي بعجب الى الحزمة التي ألقت بها توبنس إليه وسأل :
- هل هي هذه ؟
- نعم..
وتشمم رائحة الحزمة الغريبة فقالت توبنس :
- ابعدها عن ملابسك بقدر ما تستطيع.. والا فلن تقترب منك أية فتاة..

وتوالت الحوادث بعد ذلك فقد ظهرت رائحة غريبة في حجرة مستر ميدوز .. وكان
معروفا بين نزلاء سان سوسي أنه رجل قانع قليل الشكوى.. ومع ذلك فانه تحدث
عن تلك الرائحة لمسز برينا التي استغربتها ، ثم قالت:
- ربما هناك ثقب في احدى أنابيب الغاز..
وتتبع مستر ميدوز أنابيب الغاز في غرفته دون جدوى وقال:
- لابد ان يكون هناك فأر ميت في الغرفة..
ولكن مسز برينا شكت في الامر.. فان فأرا واحدا لم يسبق له ان دخل سان سوسي .. وتناقش الرجل طويلا مع صاحبة المنزل.. وأخيرا قال:
- انني لا أستطيع أن أبيت ليلة أخرى في هذه الغرفة..
- لك الحق في ذلك.. ولكن يؤسفني جدا أنه لم يبق في المنزل كله غرفة لائقة،
فان الغرفة الوحيدة الخالية قد لا تروقك فهي لا تطل على البحر .. ولكن اذا
وافقت على الانتقال اليها مؤقتا فتفضل..
ولم يكن لدى مستر ميدوز أي مانع فقبل الانتقال لان غرضه هو الابتعاد بقدر
الامكان عن هذه الرائحة الكريهة.. وقادته مسز برينا الى غرفة تصادف انها
تقابل غرفة مسز بلنكنسوب ..
أما الحادث الثاني فان مستر ميدوز المسكين أصيب بأعراض الانفلونزا في تلك الليلة ..
وأخذ يعطس ويغير مناديله طول الوقت.. ولم ير أحد طبعا شرائح البصل فيرع اذ
كان قد عطر جميع المناديل بماء الكولونيا الذي يستعمله في حلاقة ذقته..
وأخيرا اضطر مستر ميدوز المسكين.. أن يعتكف في غرفته تحت وطأة هذه
الانفلونزا الحادة..

وفي الصباح وصل مسز بلنكنسوب خطاب من ولدها دوجلاس.. وقد هلل عندما تسلمت
هذا الخطاب الى خد أن علم به كل من كان في سان سوسي.. وكانت قد أشاعت ان
هذا الخطاب لم يمر مطلقا على الرقيب فقد سلمه اليها أحد اصدقاء ولدها..
وهكذا استطاع دوجلاس العزيز ان يكتب لها بحرية.. واستطاعت هي بدورها ان
تعرف من الحقائق ما لن تصرح به ولن تذيعه.. ان كل ما يقال ويشاع ليس شيئا
الى جانب ما عرفت..

وبعد أن تناولت كعام الافطار، صعدت الى غرفتها.. ثم فتحت صندوق الخطابات
وأدعته خطاب دوجلاس بعدها رشت عليه قليلا من مسحوق الأرز .. وضغطت عليه
بأصابعها .. وخرجت من غرفتها وهي ( تسعل ) .. فسمعت من الغرفة المقابلة
سعالا آخر ..

ثم أذاعت في سان سوسي أنها ذاهبة الى محاميها في لندن وأنها ستشتري بعض
الحاجات من العاصمة.. فكلفها بعض النزلاء بشراء أشياء لا يجدونها في حوانيت
ليهامتن..

وبينما هي خارجة من باب الحديقة قابلت كارل فون دينيم .. واقفا وقد عقد
يديه فوق صدره.. وأطرق مفكرا.. ولما رآها انحنى محييا في وجوم وأدب ..
فسألته :
- ماذا بك اليوم ؟ هل هناك من مشكلة ؟
- مشاكل كثيرة.. ان مثلي كمثل من يمسك بالنار ولا يريد أن يحترق.. اني لا
استطيع الاستمرار على هذه الحال.. والوسيلة الوحيدة .. هي ان انتهي من كل
شيء..
- ماذا تعني؟
- انك تفهمين ما أعني.. لقد أظهرت حنانك لي .. وتعلمين أنني هربت من بلادي
لانعدام العدالة فيها.. وللقسوة التي يعامل بها الاحرار هناك.. وق اتيت الى
هذه البلاد لأجد الحرية .. وحقا اني أكره ألمانيا النازية ولكن .. لا
استطيع ابدا ان اتجرد من ألمانيتي .. انني ألماني .. ألماني ..
- يظهر أن هناك متاعب من هذه الناحية .. ؟
- انها متاعب نفسية .. فعندما أسمع عن طائراتكم تضرب مدننا.. وعن الجنود
الألمان الذي يقتلون.. وعن الطائرات الألمانية التي تحترق والمصانع التي
تدمر .. وهي مصانع أهلي وعشيرتي .. وعندما أسمع ذلك الماجور .. آكل النار
.. يقول وهو يقرأ صحيفته .. هؤلاء الملاعين هؤلاء الخنازير .. يصل بي الغضب
إلى حد لا أستطيع احتماله .. وعلى هذا ترين أنني أفكر جديا في الانتهاء من
كل شيء..
- هذا كلام لا معنى له.. أنا معك من ناحية .. فاحساساتك ملكك افعل بها ما
تشاء .. ولكن يجب ان تقاوم .. فلا حيلة لك في تغيير الأوضاع ..
- كم أود أن أعتقل على الأقل.. ان هذا ليريحني كثيرا ..
- ربما .. ولكنك فيما علمت . تقوم بعمل له أهميته .. وهو ليس عملا نافعا لبريطانيا وحدها .. ولكنه نافع للانسانية كلها ..
- نعم .. وأظنني وفقت الى بعض الاكتشافات ..
- هذا جميل مادمت تعمل لخير الانسانية.. أما من ناحية الشتائم التي تسمعها
فنحن معذورون في ذلك.. ولا تنس انهم يفعلون نفس الشيء في ألمانيا..
وتناول كارل يدها وقبلها .. ثم قال :
- اني أشكرك .. ان كل ما تقولين حق .. ولا بد لي من الاستعانة بالصبر والجلد..

وسارت توبنس الى المحطة وهي تفكر .. ان اقرب نزلاء سان سوسي الى قلبها هو
هذا الشاب.. ولكنه ألماني بكل أسف .. ورغم انها لم تكن راغبة في الذهاب الى
لندن الا انها رأت وجوب ذلك .. فقد اذاعت الخبر .. وقد يحدث بالصدفة اذا
لم تذهب ان يراها أحد في أي مكان آخر ، فيشاع ذلك فورا في سان سوسي..
فيجب أن تذهب .. وما ان غادرت شباك التذاكر حتى قابلتها شيلا برينا ..
- هالو .. الى اين انت ذاهبة ؟ لقد حضرت لأتسلم طردا,,
- الى لندن..
- اه .. نعم .. نعم سمعتك تذكرين ذلك .. سأتسلم الطرد وآتي لمرافقتك الى القطار..

وذهبت الفتاة ثم عادت لتبقى مع توبنس حتى تحرك القطار .. فجلست توبنس على
مقعدها تفكر .. هل كان ذلك مصادفة ! أم أن مسز برينا أرسلت ابنتها خصيصا
للتأكد من سفر مسز بلنكنسوب ؟ وأن الامر ليبدو كذلك ..
ولم تستطع توبنس الاختلاء بتومي .. حتى كان صباح اليوم التالي .. وكانا قد
اتفقا على الا يتقابلا في سان سوسي . فخرج مستر ميدوز بعد أن خفت عنه وطأة
الزكام يتمشى الى جوار الشاطئ ثم جلس على أحد المقاعد الحجرية المنتثرة ..
وهناك رأته مسز بلنكنسوب مصادفة .. وقالت بعد أن تأكدت الا رقيب هناك :
- ماذا وراءك ؟
- لقد قضيت يوما من أصعب الأيام اذ كاد عنقي يكسر من طول المراقبة.. ولكني عرفت أشياء لا بأس بها على كل حال ..
- لا بأس على عنقك .. حدثني ما عرفت ..
- دخل الخدم طبعا ليرتبوا غرفتك كما هي العادة.. ودخلت مسز برينا لتعنف الخادمة وتتعجلها في عملها .. كما دخلت بتي..
- ثم من ؟
- ثم شخص آخر ..
- من ؟
- كارل فون دينيم
- كارل أوه .. متى ؟
- في وقت الغذاء .. رأيته يسير متلصصا في الشرفة ثم سار الى غرفتك ، ومكث هناك حوالي رقع ساعة ثم خرج ..
- آه ..
- ان هذا يكفي فيما أظن ..

وأطرقت توبنس .. نعم ان هذا يكفي .. وتذكرت حديثها مع الشاب .. انه ممثل
بارع ولا شك ، وكان على حق فيما قال.. انه رجل وطني .. يخدم دولته .. وقد
يقدره الانسان لهذا السبب .. ولكنه يحطمه أيضا .. ووجدت توبنس نفسها تقول :

- كم يؤسفني ذلك !
- وأنا أيضا .. انه شاب طيب .. ولكن ..
- ان هذا هو ما نقوم به بالضبط لو كنا في ألمانيا,, ومهما كان الامر فقد
عرفنا على الاقل طرف الخيط .. ان كارل يعمل بالاشتراك مع شيلا وأمها..
وربما تكون مسز برينا هي المرجع الاول.. ثم هناك تلك السيدة الغريبة التي
كانت تحادث كارل..
- ماذا نفعل الان ؟
- يجب ان نزور غرفة مسز برينا فربما وجدنا بها ما يهمنا .. كما يجب ان
نتعقبها لنعرف أين تذهب ومن تقابل .. تومي .. هيا نستدعي "ألبرت" ليساعدنا
..
- آه .. ألبرت .. انها فكرة .. وسأرى اذا كان ذلك ممكنا ,

كان ألبرت يعمل منذ سنوات في أحد الفنادق .. ثم انضم الى ادارة الامن العام
، ثم عمل تحت امرة آل برسفورد طوال السنوات الماضية ، ولما اعتزلوا العمل
تركه هو الاخر وافتتح حانة صغيرة في جنوب لندن ..
وقالت توبنس :
- ان ألبرت سيدهش عندما نستدعيه .. دعه يستأجر غرفة في فندق المحطة .. ومن هناك يستطيع أن يقتفي أثر من نريد..
- هذا جميل.. خاصة لأنني ارى استحالة امكاننا مراقبة من نشتبه فيهم من سكان
سان سوسي .. أما ألبرت فان أحدا لا يعرفه .. ثم يجب أن نبذل جهدا كبيرا
لكشف القناع عن نشاط تلك المرأة البولندية التي تقولين انها كانت تحادث
كارل.. اذ يخيل لي انها حلقة الاتصال بين كارل والجانب الاخر من العصابة..
- طبعا .. طبعا .. فهي اما ان تأتي الى هنا لتبلغ الاوامر او لتتسلم رسائل
وتقارير .. وأرجو أن نوفق الى اقتفاء اثرها عند رؤيتها ثانية ..
- ثم لا تنسي ان علينا زيارة غرفة مسز برينا والسيد كارل..
- لا أظن أننا سنجد شيئا هاما في غرفة كارل.. ولا تنس انه ألماني..
والمفروض أنه معرض في أية لحظة لمهاجمة رجال البوليس ، والمعقول انه لا
يحتفظ لديه بأي شيء يثير الشكوك .. أما دخول غرفة مسز برينا.. فهو من
الصعوبة بمكان.. خاصة وأن ابنتها تحتل الغرفة في حالة غياب أمها .. ثم لا
تنس أن بتي وأمها تنتقلان طوال النهار في كل مكان من الفيلا.. وكذلك مسز
أوروك التي تقضي معظم وقتها في غرفتها وبابها مفتوح على مصراعيه ..
- أظن أن وقت الغذاء هو أنسب الأوقات ..
- كما استغله السيد كارل؟
- نعم .. واستطيع مثلا ادعاء اصابتي بصداع فجائي ثم اذهب الى غرفتي .. ولكن
لا .. اذا ربما يتطوع بعضهم لمرافقتي وتمريضي .. اذم يحسن ان انسحب الى
غرفتي في هدوء قبيل موعد تناول الغذاء دون أن اكلم احدا.. وإذا سئلت بعد
ذلك أقول انه الصداع الذي احتجزني ؟
- من الأصوب أن أقوم أنا بهذه المأمورية، فمن السهل علي أن أدعي البحث عن
قرص اسبرين اذا رآني أحد.. أما وجود سيد محترم يعبث في غرفة مسز برينا فانه
أمر يدعوا الى الاشتباه..
- تعنين انه يؤدي الى فضيحة .. وهو كذلك .. انما يحب الاسراع فكما علمت اليوم .. يظهر ان هناك انباء سيئة ..

ثم تركها تومي وسار حتى مكتب البريد ومنه اتصل تليفونيا بمستر جرانت وقال
له ان العملية الاخيرة تمت بنجاح وان ( ك ) غارق فيها الى اذنيه.. وبعد ذلك
كتب تومي الى ألبرت ثم اشترى احدى المجلات وعاد الى سان سوسي..

وبينها هو في طريقة الى الفيلا سمع صوت الكوماندوز هايدوك المرح يناديه من سيارته الصغيرة ويعرض عليه ان يوصله الى حيث يريد.
فصعد تومي الى السيارة شاكرا.. وقال هايدوك:
- سمعت انك اصبت بنزلة برد؟
- كانت مجرد انفلونزا عارضة.. وهي تصيبني في مثل هذا الوقت من كل عام..
- ولكنك أحسن حالا.. هل لك في لعب الغولف؟
- طبعا .
- اذن موعدنا غدا في الساعة السادسة .. اذ اني ذاهب في الصباح لحضور اجتماع مقاومة من يهبطون بالبراشوت.. انه واجبي كما تعلم..
- وهو كذلك.. وشكرا..

وكانا قد وصلا الى ابواب سان سوسي.. فسأله هايدوك:
- ميدوز .. كيف حال شيلا الجميلة ؟
- بخير على ما أظن.. فاني لا أراها كثيرا..
- ها .. ها .. لا تراها كثيرا؟ .. انها فتاة جميلة .. ولكنها نفور.. وأظنها
تقابل ذلك الفتى الاماني كثيرا .. ضاعت الوطنية.. ثم لم يبق لها حاجة
بالمسنين أمثالي وأمثالك .. ومع ذلك فهناك شباب من رجالنا على كثير من
الرشاقة .. يقبلون على الترفيه عنها.. ولكني لست أدري لم تترامى بين أحضان
هذا الألماني الفظ..
- على رسلك.. انه قادم ..
- ليس يهمني في كثير أو قليل أن يسمع ما اقول.. وكم اود ان ألهب ظهر السيد
كارل بالسياط فان أقل ألماني يدافع الآن عن بلاده ولا يتسكع هنا رعبا من
القتال..
وهكذا اتضحت وطنية الكوماندوز هايدوك وهو يدور بسيارته الى استراحة المهربين..
أما توبنس فقد وصلت الى ابواب سان سوسي الخارجية في الساعة الثانية الا
عشرين دقيقة وسارت في ممرات الحديقة حتى وصلت الى باب حجرة الانتظار ووقفت
لحظة حتى مرت الخادمة عبر الممر .. ثم سارعت فصعدت الدرج بعد ان خلعت
حذاءها ولبست خفا وسارت فورا الى حجرة مسز برينا.. وهناك اعتراها ضيق شديد
.. فهذه العملية التي تقوم بها ليست محببة الى النفس.. ولكنها عادت فتذكرت
انها الحرب.. وسارت قدنا الى منضدة التواليت، وفي سرعة عالجت فتح الادراج
الا واحدا وجدته مغلقا ,, لعله هذا .. وكان نعها بضع ادوات استعارتها من
تومي لإنهاء هذه المهمة .. وفتح الدرج ..
ووجدت فيه نحو عشرين جنيها ورقا، وبضع نقود فضة وحقيبة بها مجوهرات وحزمة
اوراق.. فبدأت تفحصها واحدة واحدة في عجلة .. فليست لديها فرصة للتامين
الطويل.. رأت عقد شراء سان سوسي .. فواتير .. حسابات البنك كمية من
الخطابات .. ومر الوقت سريعا .. قرأت خطابيين من صديق في ايطاليا .. ليس
فيهما شيء .. وخطابا من سيمون مورتيمر في لندن .. وغيره وغيره .. ثم خطابا
من .. " بات " قرأت فيه : هذا آخر خطاب اكتبه لك يا عزيزتي ايلين ,, ولم
تستطع توبنس متابعة القراءة فأعادت الخطاب كما كان بعد ان طوته في عجلة
وردته الى مكانه من الدرج.. وفتح الباب .. ودخلت مسز برينا متجهة الى رف
عليه بضع زجاجات..
ودارت توبتس وواجهت صاحبة الغرفة :
- أوه.. مسز برينا .. أرجو ألا تؤاخذيني لقد دخلت حجرتك تحت تأثير صداع
عنيف.. لأبحث عن قرص من الاسبرين .. فقد ضاعت انبوبتي .. وكنت متأكدة أن
لديك من هذا النوع.. فقد سمعتك تقولين ذلك لمس منتون ..
وشملت مسز برينا الغرفة بنظراتها ثم قالت في حدة:
- طبعا .. لدي منه كثير .. ولكن على أي حال .. لماذا لم تأتي إلي وتطلبي مني؟
- كان ذلك واجبا.. ولكني أعلم أنكم تتناولون طعام الغذاء ,, ولم أر من المناسب أزعجكم ..

فمرت مسز برينا أمام توبنس واتجهت الى أحد الرفوف وتناولت زجاجة الأسبرين وقالت :
- كم تريدين ؟
وأجابت مسز بلنكنسوب يكفيني ثلاث ..
وسارت فورا نحو حجرتها وطلبت من الخادمة بضع زجاجات من الماء الساخن..
وقالت مسز برينا :
- أذكر أن لديك كمية كبيرة من الأسبرين ,, في منضدة الزينة ..
- لست أدري أين وضعت الأنبوبة .. فقد بحثت عنها ولم أجدها ..
- آه .. اذن اذهبي واستريحي حتى موعد تناول الشاي..

وعادت توبنس الى غرفتها واستلقت على سريرها متوقعه دخول مسز برينا بين لحظة
وأخرى رغم أن توبنس حسبت حساب الدرج الذي فتحته ولم تجد فرصة لإعادة غلقه
.. كما أن الاوراق لم تنظم كما كانت ,, وأخذت توبنس تطمئن نفسها ,, لو شكت
مسز برينا في اضطراب حاجاتها فستشك في الخدم لا في مسز بلنكنسوب المحترمة
.. وحتى اذا شكت فيها فستعتقد انها ما عبثت في الغرفة الا تحت تأثير حب
الاستطلاع المجرد عن الغرض .. ولكن .. اذا كانت مسز برينا هي تلك الجاسوسة
التي يرمزون لها بحرف ( م ) فلا بد أنها سترى في مسز بلنكنسوب انها لم تذكر
لمخلوق المكان الذي تحتفظ فيه بخطاباتها الخاصة .. اذن .. لابد أن هناك من
يعبث بغرفتها .. ودقة بدقة ..!



*
*
* * *
* *
*


:: الفصل السابع ::



سافرت مسز سبروت في اليوم التالي الى لندن وتركت بتي في عناية سكان سان
سوسي بعد ان نبهت على الطفلة بعدم ازعاج اهل الدار, وتعلقت بتي بتوبنس
لتلاعبها.. ومنعت الامطار الشديدة خروجهما للنزهة، فلجـأتا الى حجرة نوم
الفتاة واتجهت بتي الى حيث تحتفظ بلعبها فسألتها توبنس أي هذه اللعب تفضل
فقالت بتي:
- احكي لي حكاية..
فجذبت توبنس ونظرت الى عنوان الكتاب ثم سألت بتي..
- هل تعجبك أحلام ساندريلا ؟
- كلا .. انه قذر ..
وتناولت بتي الكتاب وأعادته الى مكانه وسحبت كتابا آخر من نهاية الرف وكان
بنفس العنوان.. فأدركت توبنس أن الكتب القديمة أهملت وأن مسز سبروت اشترت
مجموعة جديدة للطفلة .. انها من الامهات اللاتي يتطيرن من القذارة ..
ويخشين على أطفالهن من عواقبها.. وأخذت بتي تعبث بالكتاب ثم أعادته وتناولت
غيره ثم غيره ، وكانت بتي تختطف الكتب من توبنس وتخبئها وتحاول هذه العثور
عليها.. وهكذا انقضى الصباح دون ان تشعر بمرور الوقت ..

وبعد الغذاء ذهبت بتي الى سريرها، واستدعت مسز اوروك توبنس الى غرفتها
وكانت غرفة ضل النظام طريقه اليها.. تفوح فيها روائح النعناع والنفتالين..
وانتثرت فيها الصور بغير نظام. صور ابناء وأبناء وأخوة وأبناء اخوة مسز
أوروك حتى خيل لتوبنس انها في معرض للصور. أقيم في العصر الفيكتوري ..
وقالت مسز أوروك :
- ان لك طريقة عجيبة في معاملة الاطفال يا مسز بلنكنسوب
- ان ذلك يرجع الى طول المدة التي ربيت فيها ولدي
- ولديك ! سمعت انهم ثلاثة ..
- آه طبعا .. انهم ثلاثة .. نعم ثلاثة .. ولكن أعني ولدي المتقاربين في
السن فقد كنت أقوم بتربيتهما وهما في هذه السن تقريبا معا .. هذا ما قصدت
..
- آه.. اجلسي يا مسز بلنكنسوب واعتبري نفسك في غرفتك...

وأحست توبنس بنوع من الضيق الذي يحسه المرء وهو في زيارة احدى الساحرات ..
وقالت مسز أوروك أخيرا:
- والآن يا عزيزتي .. ما رأيك في سان سوسي ؟
فأجابت توبنس بكلام عام .. ولكن مسز أوروك قاطعتها بقولها :
- أود أن اسألك ما اذا كنت قد لاحظت شيئا غريبا في سان سوسي؟
- شيئا غريبا! ماذا تعنين ؟ كلا .. لم ألحظ..
- حتى ولا عن مسز برينا ؟ فقد أدركت انك تراقبينها .. بل انك تشددين الرقابة عليها ..
واحمر وجه توبنس ولكنها تمالكت نفسها وقالت :
- انها .. انها .. سيدة حلوة المعشر..
- اذن هي ليست .. أعني انها سيدة مجتمعات .. اذا كان الظاهر كالباطن.. ولكن اذا لم تكن .. أ هذا هو رأيك ؟
- الواقع يا مسز أوروك انني لا أفهم .. سيدة مجتمعات.. تتظاهر.. لم تكن .. ماذا تعنين ؟
- ألم يخطر ببالك يوما ان أية واحدة منا قد تكون فعلا خلاف ما تتظاهر به
أمام الناس؟ فالمستر ميدوز مثلا .. يبدو لي أنه رجل غريب التصرفات ..
فأحيانا أراه يمثل الرجل الانجليزي الغبي المحدود الأفق وأحيانا أسمع منه
كلمة أو أرى منه ما يدل على أنه أبعد الناس عن الغباء.. ألا ترين في هذا
غرابة ؟
فأجابت توبنس بحزم :
- أوه . انني لا أرى في مستر ميدوز الا نموذجا للرجل العادي ..
- اذن هناك غيره .. وأظن أنك تعرفين واحدا منهم على الاقل ..
فهزت توبنس رأسها نفيا..
فعادت مسز أوروك تقول :
- ان الاسم الذي أصده يبدأ بحرف ( ش ) ..
ولم تستطع توبنس أن تتمالك أعصابها أكثر من ذلك .. وظهرت عليها أمارات
الغضب ، فقد خيل إليها أنها في موقف استجواب .. وأن عليها أن تدافع عن شيء
عزيز عليها فقال في حدة :
- ان كنت تقصدين شيلا فهي فتاة طائشة ثائرة,, وقد كنا جميعا كذلك في مثل سنها..
- لا .. لا . لا .. ليست هذه من أقصد .. ألا تعلمين أن اسم مس منتون الأول " شيرلي " ..
- أوه .. اذن تقصدين مس منتون ؟
- لا ,, ليس هذا ما أقصد .. ولكن ..

ولم تقو توبنس على احتمال الموقف أكثر من ذلك .. ان هذه السيدة تتلاعب بها
كما يتلاعب القط بالفار.. فقامت توبنس من مكانها واتجهت نحو الشرفة تراقب
نزول المطر وقد تضاربت الافكار في رأسها .. فكيف تتخلص من موقفها هذا ؟
وكيف سمحت لنفسها أن تقع في هذا الشرك .. وتوقف تفكيرها لحظة .. رأت خلال
النافذة تلك المرأة التي كانت تحادث كارل فون دينيم منذ أيام .. وكانت
تتلفت يمنة ويسرة بعينين جامدتين لا حياة فيهما .. حتى خيل لتوبنس انها
تمثال يتحرك.. وكانت تتطلع وتتطلع الى نوافذ سان سوسي .. وليس في نظراتها
أي معنى.. رباه.. بل هناك معنى واضح كل الوضوح انها نظرات مجنون وطافت برأس
توبنس خيالات عديدة . ان هذه المرأة تمثل الاشباح التي تسكن البيوت
المهجورة.. واستدارت توبنس لتواجه مسز أوروك وغمغمت ببضعة ألفاظ ثم اندفعت
سريعا من باب الحجرة.. ونزلت الدرج .. فالحديقة .. فالطريق .. إلى قمة التل
.. فلما وصلت كانت المرأة قد اختفت .. فعادت توبنس من جديد الى الحديقة
وأخذت تجول فيها .. بين الشجيرات غير عابئة بما أصابها من هطول الامطار..
وكانت تقتفي آثار أقدام المرأة الغريبة متوقعة أن تقودها هذه الآثار إلى
حيث اختفت فجأة .. وقادتها الآثار الى ابواب الفيلا ، فأحست توبنس باختناق
لم تدر له سببا وشعرت ان نكبة ما وشيكة الوقوع فقد حدثها انقباض قلبها بذلك
.. ولكمها لم تستطع ان تخمن ما هذه النكبة ؟ .. وما كان يخطر ببال مخلوق
أن يخمن ..

وبعد أن اعتدل الجو وانقطع المطر ساعدت مس منتون بتي على ارتداء ملابس
الخروج استعدادا لنزهة في المدينة القريبة.. ولتشتري مس منتون لبتي إوزة من
البلاستيك ، وكانت بتي تصيح في أرجاء الدار جزلة ..
ولاحظت توبنس عندما دخلت باب الدار ان هناك عودين من الثقاب قد ألقيا على
المنضدة التي تتوسط الردهة الخارجية في غير عناية ، فعرفت ان مستر ميدوز
يقضي الوقت في مراقبة مسز برينا ، فاتجهت توبنس الى حجرة الانتظار ووجدت
مستر ومسز كايلي وكان زوجها في حالة يرثى لها .. يشكو الضجيج الذي تحدثه
الطفلة ويقول انه لم يأتي الى سان سوسي الى هربا من الضجيج..
فقالت توبنس :
- من الصعب التحكم في الاطفال وهم في هذه السن ..
- هه .. هذا كلام لا معنى له .. انها آفة العصر الحديث .. أن يترك الاطفال يعبثون كما يحلو لهم .
فقالت توبنس تغير مجرى الحديث :
- أود أن تحدثني عن رأيك الخاص في طرق المعيشة في ألمانيا ، فقد سمعت أنك قمت برحلات إلى بلاد كثيرة ..
- انني كما تقولين يا سيدتي العزيزة .. رجل ذو تجارب وخبرة وفي رأيي انه
يجب ان تتفاهم بريطانيا وألمانيا .. فالنظام النازي في رأيي هو خير الأنظمة
صلاحية للبلدين..
وقطع الحديث دخول مس منتون تتبعها الطفلة حاملة إوزتها الجديدة ..

وما هي الا لحظات حتى أعد الشاي.. وفي تلك الفترة رؤيت مسز سبروت داخلة بعد عودتها من لندن وهي تقول :
- أرجو الا تكون بتي قد أزعجت أحدا..
ثم وجهت الحديث للطفلة :
- كيف قضيت الوقت يا بتي؟
- قذر ..

ولم يعلق أحد على رد الطفلة اذ كان مفهوما أنها لا تعني ما تقول وأخذت مسز
سبروت تتحدث عن مشترياتها من لندن خلال احتسائها الشاي.. وانتقل الجميع الى
الشرفة فقد بدات الشمس تتسرب من تحت الغمام.. وكانت بتي تملأ الجو
بدعابتها وجريها في كل مكان.. واستمر الحال كذلك .. والنزلاء يتحدثون عن
الاشاعات وما ينتظر ان يحدث حتى قطعت مسز سبروت الحديث فجأة قائلة :
- انها السابعة اآن .. كان يجب ان تنام الطفلة منذ ساعات ... بتي .. بتي ..بتي ..
ولم يكن أحد يلحظ غياب الطفلة في أثناء الحديث .. وعادت مسز سبروت تصيح وقد تزايد قلقها ..
- بتي .. أين أنت؟
وقامت مسز سبروت تبحث عن الطفلة ..
وقاتل مس منتون ان الطفلة لا بد أن تكون في مكان ما..
وقالت توبنس لا بد انها اختبأت في المطبخ اذ كان أطفالها يختبئون فيه ..
ودار البحث في كل مكان .. ولكن بدون جدوى . فقد اختفت الطفلة اختفاء تاما..
وظهر الغضب على وجه مسز سبروت .. وقالت:
- ربما تكون قد خرجت من الفيلا .. ؟
فخرجت توبنس مع مسز سبروت ووقفتا تتلفتان هنا وهناك، ولكنهما لم يريا سوى
صبي على دراجة يحادث خادمة الفيلا المواجهة لسان سوسي .. فتقدمت توبنس نحو
الصبي وسألته اذا ما كان قد رأى فتاة صغيرة تخرج من الفيلا فأجابت الخادمة :

- أهي تلبس فستانا قصيرا أخضر اللون ؟ رأيتها منذ نحو نصف ساعة .. تسير في هذا الطريق مع سيدة ..
- سيدة ..! أي سيدة ..!
- انها سيدة .. غريبة الهيئة .. و على كتفيها شال رخيص .. فخيل الي انها
احدى المتسولات .. واني اذكر اني رأيتها أكثر من مرة تحوم حول هذا المكان..

وتذكرت توبنس فورا ذلك الوجه الذي رأته يتلصص بعد الظهر في الحديقة ولكنها
لم تكن ترى علاقة بينه وبين بتي .. ولم تترك مسز سبروت لها فرصة للتفكير
أكثر من ذلك فصاحت :
- بتي .. عزيزتي بتي .. طفلتي.. لا بد أن تكون تلك المرأة احدى الغجريات .. فردت توبنس على الفور..
- لا .. لا .. ان وجهها لا يدل على ذلك.. فهي جميلة . ولا يمكن ان تكون من الغجريات..
فنظرت اليها مسز سبروت في عجب ودهشة مستفسرة ، فقالت توبنس :
- رأيت هذه المرأة بعد ظهر اليوم .. تتلصص خلال شجيرات الحديقة .. كما اذكر
انني لمحتها مرة قبل ذلك .. تحادث كارل فون دينيم .. نعم لا بد أن تكون
نفس المرأة ..
وقالت الخادمة تؤكد كلام توبنس :
- نعم .. نعم .. انها نفس المرأة .. ان شعرها الاشقر لا ينسى ..
فصاحت مسز سبروت :
- أواه .. يا ربي .. ماذا أفعل؟
فقالت توبنس وهي تضع ذراعها في ذراع مسز سبروت :
- تعالي الى الفيلا .. لنطلب البوليس ..
فسارت مسز سبروت معها وهي تقول :
- لست أدري كيف رضيت بتي أن تسير هكذا مع الغرباء .. دون أن تصيح ..
- انها صغيرة جدا كما تعلمين .. وقد تكون المرأة مخبولة ..

وكانت توبنس تقول هذا لتخفف وقع الصدمة على مسز سبروت اذ كانت تعلم ان
المرأة الغريبة في كامل قواها العقلية وقد شكت في ان يكون لكارل علاقة
بحادث الاختطاف هذا ، وقد تبددت شكوكها لما أقسم كارل ان لا علم له بأي شيء
عن هذا الموضوع ، وقد استغربه كذلك الجميع .. وبعد أن شرحت توبنس كل ما
تعلم قال الماجور بلتشلي موجها كلامه لمسز سبروت ..
- لا تقلقي يا سيدتي .. سأذهب حالا الى مركز البوليس ..
فقالت مسز سبروت :
- انتظر لحظة .. فقد تكون هناك ..
ثم جرت مسرعة الى غرفة بتي وعادت وهي تلهث وهجمت على الماجور بلتشلي وخطفت سماعة التليفون من يده وهي تقول :
- لا .. لا .. لا تبلغ البوليس . .يجب الا نبلغ البوليس ..
وتهاوت على أحد المقاعد وهي تبكي ، فالتفت الجميع حولها وقد اشتد بهم العجب
يحاولون تهدئتها وبعد لحظة قالت بصوت خنقته العبرات وهي ترفع شيئا في يدها
:
- وجدت هذه .. في حجرتي .. كانت مربوطة الى تمثال قطة من الحجر .. انها انذار لي ..
فتناول مستر ميدوز الورقة وقرأ فيه ا:
" لقد وضعنا يدنا على طفلتك وسنخبرك فيما بعد بما تفعلين ولكن .. اذا اتصلت
بالبوليس سنقتل الطفلة .. أغلقي فمك وانتظري تعليماتنا والا .. "
وكانت موقعه بجمجمة وعظمتين متقاطعتين ..
وتكلم الجميع في نفس الوقت :
- القتلة المتوحشون .. الوحوش ...

ولكن صوت الماجور بلتشلي علا جميع الاصوات وهو يقول :
- كلام فارغ .. مستحيل .. يجب أن ابلغ البوليس حالا .. فهو وحده الذي يستطيع ان يضع حدا لهذه المهزلة ..
وتحرك ثانية متجها الى آله التليفون .. ولكن مسز سبروت صرخت ، فصاح بها :
- يا سيدتي العزيزة .. لا بد من ذلك .. فما هذا الانذار الا حيلة مبتذلة لمنعنا من اقتفاء اثر الخاطفين السفلة ..
- سيقتلونها ..
- مستحيل .. انهم لا يجرءون ..
- اني لا أسمح .. أنا أمها .. وأنا التي أقرر ..
- أنا أفهم .. فاهم .. ولكن استمعي الى نصيحتي يا سيدتي فتبليغ البوليس هو الحل الوحيد .. ألا توافقني يا مستر ميدوز ؟
فهز تومي رأسه ايجابا .. وعاد بلتشلي يقول :
- وأنت يا كايلي؟ اذن انظري يا مسز سبروت .. ميدوز وكايلي يوافقاني ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Mr.Hisham
ادارة المنتدى
ادارة المنتدى



ذكر عدد المساهمات : 1901
التقييم : 0
تاريخ الميلاد : 15/09/1984
تاريخ التسجيل : 07/09/2010
العمر : 39

العميل السري - أجاثا كريستي 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: العميل السري - أجاثا كريستي 2   العميل السري - أجاثا كريستي 2 Icon_minitimeالخميس يونيو 23, 2011 10:51 pm

شكراااااااااااااااااااااااا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Salma
نجم النجوم
نجم النجوم
Salma


انثى عدد المساهمات : 2158
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 31/05/2011

العميل السري - أجاثا كريستي 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: العميل السري - أجاثا كريستي 2   العميل السري - أجاثا كريستي 2 Icon_minitimeالخميس يونيو 23, 2011 10:53 pm

شكرا على المرور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العميل السري - أجاثا كريستي 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
بوابة الوادى التعليمية :: ركن الادب والشعر :: قصص وروايات-
انتقل الى: